• ٢٠ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٨ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الصلاة.. مدرسة وممارسة يومية للإيمان

العلّامة الراحل السيِّد محمّد حسين فضل الله

الصلاة.. مدرسة وممارسة يومية للإيمان

◄(الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ) (المؤمنون/ 2). قصّة الصلاة كما قدّمها الله تعالى لنا، هي أنّها مدرسة داخلية تخاطب عقل الإنسان وقلبه ومشاعره وأحاسيسه، لتصنع منه شيئاً في الداخل ينظّم للإنسان خطّ السير في الاتجاه المستقيم في الخارج. ومن هنا، كانت الصلاة في القرآن شيئاً يتحرّك مع الإيمان، حتى كأنّه يمثّل عمقه ويمثل أصالته، وكأنّ الإنسان الذي لا صلاة له هو إنسان لا إيمان له، لأنّ الإيمان إذا كفّ عن أن يجعلك تعيش عبوديتك لربّك في ممارساتك العضوية والروحية، فإنّه يبقى مجرد شيء ليس فيه روح وليس فيه حياة، تماماً كما لو كان الإيمان معادلة فكرية ترقد في زاوية من العقل ولا تلامس الروح ولا تعيش في الشعور والفكر.

وإنّما تكون إيماناً إذا نزلت إلى القلب وإلى الإحساس وإلى الشعور، بحيث يهتزّ القلب معها، كما قرأنا في الآية الكريمة التي تقول: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) (الأنفال/ 2) اهتزّوا واهتزّت قلوبهم جرّاء إحساسهم بعظمة ربّهم.

والصلاة تمثّل الممارسة اليومية للإيمان، فالإنسان إذا لم يمارس إيمانه، يجمد ويموت روحياً، في حين أنّ الممارسة التي يشارك فيها العقل والقلب واللسان والحركة، تجعل الإيمان يعيش معك بكلّك، وبذلك يتأصّل في وجودك، وهذا ما تعطيه الصلاة في دلالاتها. فعندما تبدأ صلاتك بتكبيرة الإحرام «الله أكبر»، فإنّ الأكبر يختزن في داخله النظر إلى الأصغر، ولذلك، فإنّ الصلاة تحمل لك معنىً إيحائياً بأنّ كلّ ما عداه أصغر، فإذا كان ما دونه الأصغر، فكيف يمكن لك أن تهمل الأكبر في وحيه، والأكبر في عظمته، والأكبر في نِعَمه، كيف يمكن أن تهمله لتسقط أمام الأصغر؟ وعندما تنفتح بك كلمة «الله أكبر» في الآفاق، فإنّك ستأخذ منها روحاً في معنى الروح، لتتصوّر الله سبحانه وتعالى في كلّ صفاته التي لا يقترب منها أحد، ولتعيش الله سبحانه وتعالى في أسرار قدرته التي لا يمكن أن يدنو منها أحد، ولتتصوّر الله في نِعَمه التي لا يمكن أن يعطيها أحد غيره، فهو الأكبر في الصفات، وهو الأكبر في الخلق والقدرة، وهو الأكبر في النِّعم التي ينعمها على الإنسان.

وعندما تعيش ما يعيشه الناس من قوىً يمكن لها أن تسقط نفسك، ويمكن لها أن تسقط موقفك، عند ذلك، تلتفت إلى الله سبحانه وتعالى لتقول «الله أكبر»، وأنّ الآخرين مهما بلغوا من قوّة، فـ(أَنَّ الْقُوَّةَ لِلهِ جَمِيعًا) (البقرة/ 165)، و(فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلهِ جَمِيعًا) (النِّساء/ 139)، وبذلك تحفظ لك هذه الكلمة بمعناها الرحب والخصب توازنك أمام الكبار، لأنّك عندما تلتفت إليهم وتدخل في مقارنة بينهم ويبن الله، فإنّك تتصوّرهم صغاراً، وبذلك تتوازن حركتك في الحياة، وعندما تتوازن تفكّر، وعندما تفكّر، تخطّط، وعندما تخطّط، تتحرّك.►

ارسال التعليق

Top